تثير مسألة التّعاطي مع موضوع السّجائر الإلكترونية اليوم كثيرا من الإشكاليّات. و تتعلّق أبرزها بتحديد تصنيفها، بين كونها مرحلة جديدة من عادة التّدخين السيّئة الّتي اكتسبها الإنسان منذ زمن طويل باعتبار ما ينجرّ عنها من مضاعفات وأخطار صحية، وبين اعتبارها سبيلا جديدا لتعويض التّدخين التّقليدي بشكل يمثل ضررا أقلّ على صحة الإنسان، وبالتّالي وجوب التّسليم بوجودها و إدخالها فعليّا تحت مجهر المراقبة التّشريعية والصّحّية.
في الولايات المتّحدة مثلا، تم تسجيل عدد هامّ من الوفيّات ومن الإصابات الرئوية لدى مستعملي " السجائر الالكترونية “، لكن الحقيقة هي أن هؤلاء المتضرّرين كانوا ضحايا المواد المهرّبة والدّخلاء في مجال الكيمياء من الّذين يبقى إهتمامهم الوحيد الرّبح المادي، دون الإلتفات إلى الآثار والأضرار الصّحّيّة الّتي يتسبّبون فيها.
و في مقال منشور بالمجلّة العلميّة المعروفة “Science Magazine“ بتاريخ 13 ديسمبر2019، تعرّض أربعة من المختصّين الأمريكيين البارزين في مجال الصّحّة العامّة لهذه الإشكاليّة ولكلّ ما يحيط بالسّجائر الإلكترونيّة من غموض وخصوصا فيما يتعلّق بسوائل إعادة الشّحن الخاصّة بها.
بالإضافة إلى ذلك، تمّ التّنصيص على الموقف التّحفّظي الرّسمي تجاه استعمال هذا النّوع من التّدخين ليبقى ذلك أمرا خطيرا وذو حدين. فمن جهة يمكّن السّلطات العامّة من التنصّل من مسؤوليّة اتّهامها بالدّعاية لمواد خطرة على الصّحّة، ومن جهة أخرى يضع نفس هذه السّلطات أمام مسؤوليّاتها الأخلاقيّة لعدم تمكّنها من إيجاد بدائل للسّجائر التقليدية. وبالتّالي إهدار فرصة تقديم يد العون للمدخّنين.
وحسب نفس المصدر، فإن السّبيل الوحيد لضمان عدم وجود إنحراف صحّيّ أو قانوني، هو المسارعة بإيجاد أطر قانونيّة خاصّة وصارمة لتقنين استعمال هذا النوع من المواد غير القابلة للإحتراق.
سوائل إعادة شحن السّجائر الإلكترونيّة:
بيّنت واحدة من أحدث الدّراسات المنشورة والصّادرة عن"The American College of Cardiology " هذا العام "آثار السّجائر الإلكترونيّة بالمقارنة بنظيرتها التّقليدية"
وكشفت أنّ السّجائر الإلكترونية هي "الأقلّ ضررا اليوم على الصّحّة العامّة مقارنة بالسّجائر التّقليدية. فعلاوة على كونها حافزا للإقلاع عن عادة التّدخين، فهي لا تستقطب مدخنين جدد "
لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّه، اعتبارا من الصّيف الماضي، تغيّرت وجهة النّقاش حول موضوع السّجائر الإلكترونيّة، بعد صيحة فزع أطلقتها " Centers for Disease Control and Prevention (CDC) " حول ظهور أعراض رئويّة حادّة ناتجة عن استعمال السّجائر الإلكترونية، أطلقت عليها السّلطات الأمريكيّة إسم “EVALI ". هذا الخطر ناجم بالتّحديد عن الإستعمالات السّيّئة للسّوائل الموزّعة في السّوق الموزاية.
بوجود الأسواق والمواد الموزاية، لا شيء يقف اليوم أمام الفئات العمريّة الصّغيرة للوصول وبسهولة إلى المواد المعدّة باستعمال مادّة النّيكوتين، خصوصا مع إنخفاض التّكلفة في الأسواق السّوداء بالمقارنة مع المسالك الرّسمية.
ولعلّ تواصل منع السّجائر الإلكترونيّة يبقى سببا في توجّه فئة كبيرة من المراهقين نحو تدخين السّجائر التّقليدية.
بناء على ما ذكرناه، فإن إستعمال سوائل إعادة شحن السّجائر الإلكترونيّة والقادمة من مصادر غير مرخّصة ومن مسالك توزيع موازية، يبقى أمرا خطيرا ومهدّدا للسّلامة الصّحّيّة للمراهقين والبالغين على حدّ سواء.
بتاريخ 4 ديسمبر 2019 أعلنت " CDC“عن تسجيل 2291 حالة مرضيّة و48 حالة وفاة في الولايات المتّحدة. كما دعت الـ “CDC"والـ “Food and Drug Administration (FDA) “كل المستهلكين ّإلى تجنب استعمال مادة " THC " ( المشتقّة من القنب ) أو كلّ سوائل الشّحن مجهولة المصدر “.
مخاطر المواد المحظورة وأهمّيّة إيجاد إطار محدّد وخاصّ:
أكثر من مليار نسمة تقريبا هم ضحايا مضارّ التّدخين خلال القرن الواحد والعشرين. ويذهب الخبراء إلى الإقرار بأنّ هذا الرّقم المفزع يدفع، بالضّرورة، "لإيجاد نوع من المفاضلة بين المضرّ والأقلّ ضررا. وهو ما يحتّم اليوم إيجاد سبل لتدخّل المشرّعين لإيجاد حلول عمليّة لتقنين مجال ترويج السّجائر الالكترونيّة وجعلها متاحة للمدخنين".
ويرون في نفس السّياق أنّه "من الواجب والضّروري إيجاد سبل جديدة وصارمة للتّقليص من إستهلاك الشّباب لهذه المواد ".
الوضع في تونس:
سواء تعلّق الأمر بقوانينها الفيدراليّة أو الوطنيّة، فإنّ عدد الدّول الّتي قامت بتقنين مجال ترويج السّجائر الإلكترونية قد بلغ اليوم أكثر من 98 دولة في العالم، ومن ذلك القوانين المنظّمة للبيع والدّعاية والتّرويج والتّعليب (علب لحماية الأطفال وملصقات تحذّر من خطورة الاستهلاك).
بالإضافة إلى تنظيم المواد نفسها من نواحي الحجم ودرجة تركيز النّيكوتين والسّلامة والمكوّنات والمذاقات المختلفة.
و لجأت البلدان المجاورة لتونس (مثل إيطاليا أوالمغرب أو حتّى مصر) إلى إتّخاذ خيارات تهمّ تنظيم مجال تسويق السّجائر الإلكترونيّة، وذلك باعتماد نموذج إقتصاديّ واضح ودائم يعمل على منافسة أسعار المواد الموجودة في السّوق الموازية، بالإضافة إلى السّجائر التّقليديّة والقابلة للإحتراق, الأمر الذي يتيح للمدخّنين فرصة أكبر للوصول إلى بدائل النّيكوتين الجديدة والأقل ضررا.
ظهرت السّجائر الإلكترونيّة في تونس منذ سنة 2011 ليبلغ اليوم عدد مستعمليها أكثر من 70 ألف مستهلك يعتمدون في التّزود على الأسواق الموازية والمهرّبين وعلى الدّخلاء في مجال الكيمياء من الإنتهازيين. ليبقى السّؤال الأكثر إلحاحا هو