
مقدمة
سرطان المبيض هو مرض خبيث ينشأ من خلايا المبيضين، وهما العضوان التناسليان الأنثويان المسؤولان عن إنتاج البويضات والهرمونات. يُطلق عليه غالبًا "القاتل الصامت" بسبب تأخر تشخيصه، مما يجعله تحديًا كبيرًا في طب الأورام النسائية. يهدف هذا المقال، المُعد لموقع med.tn، إلى توعية القراء بأنواع سرطان المبيض، عوامل الخطر، الأعراض، طرق التشخيص، خيارات العلاج، والوقاية منه، مع التأكيد على أهمية الكشف المبكر.
أنواع سرطان المبيض
يُصنف سرطان المبيض إلى عدة أنواع بناءً على منشأ الخلايا:
1. الأورام الظهارية (85-90% من الحالات): تنشأ من خلايا سطح المبيض. النوع الفرعي الأكثر شيوعًا هو سرطان المصلي عالي الدرجة.
2. الأورام الجرثومية (5-10%): تنشأ من الخلايا المنتجة للبويضات، وهي أكثر شيوعًا لدى الشابات (مثل: الأورام المسخية، الأورام المنتشة).
3. أورام النسيج الضام (5%): تنشأ من خلايا النسيج الضام في المبيض، وغالبًا ما ترتبط بإنتاج الهرمونات (مثل: أورام خلايا الحبيبة).
4. الأورام الثانوية: نقائل من سرطانات أخرى (مثل الثدي، القولون، المعدة)، وهي أقل شيوعًا.
كل نوع له خصائص محددة تؤثر على التكهن والعلاج.
عوامل الخطر
على الرغم من أن السبب الدقيق غالبًا غير معروف، إلا أن عدة عوامل تزيد من مخاطر الإصابة بسرطان المبيض:
- العوامل الجينية: طفرات في جينات BRCA1 وBRCA2 (10-15% من الحالات) أو متلازمات وراثية مثل متلازمة لينش.
- التاريخ العائلي: وجود تاريخ عائلي لسرطان المبيض، الثدي، أو القولون.
- العمر: يزداد الخطر بعد سن الـ50، مع ذروة الإصابة بين 60-65 عامًا.
- العوامل التناسلية: عدم الإنجاب، تأخر انقطاع الطمث، بدء الدورة الشهرية مبكرًا، أو عدم الرضاعة.
- العلاج الهرموني: استخدام طويل الأمد للعلاج الهرموني البديل بعد انقطاع الطمث.
- عوامل أخرى: السمنة، بطانة الرحم المهاجرة، والتدخين (لأنواع فرعية معينة).
يمكن أن تقلل الحمول المتعددة، الرضاعة الطبيعية، استخدام موانع الحمل الفموية، أو ربط الأنابيب من المخاطر.
الأعراض
غالبًا لا يُسبب سرطان المبيض أعراضًا في مراحله المبكرة، مما يُصعب التشخيص المبكر. الأعراض، عند ظهورها، غالبًا غير محددة:
- آلام في الحوض أو البطن: مستمرة أو غير عادية.
- الانتفاخ: شعور بالتورم أو تمدد البطن.
- اضطرابات هضمية: فقدان الشهية، الغثيان، الإمساك، أو الإسهال.
- الشعور بالشبع السريع: الشعور بالامتلاء بعد تناول كمية قليلة من الطعام.
- أعراض بولية: الحاجة المتكررة للتبول أو الإلحاح البولي.
- إرهاق غير مبرر، فقدان الوزن، أو استسقاء (تراكم السوائل في البطن) في المراحل المتقدمة.
إذا استمرت هذه الأعراض لأكثر من أسبوعين، يجب استشارة طبيب أمراض نسائية.
التشخيص
التشخيص المبكر صعب، لكنه يعتمد على مجموعة من الفحوصات:
1. الفحص السريري: جس الحوض للكشف عن كتلة في المبيض.
2. التصوير بالموجات فوق الصوتية (الحوض/عبر المهبل): لتصور المبيضين وتحديد الكتل المشبوهة (أكياس معقدة، أورام صلبة).
3. مؤشرات الأورام: قياس مستوى CA-125 في الدم، وهو مرتفع غالبًا في سرطانات الظهارة، رغم أنه غير محدد. يُستخدم مؤشرات أخرى (HE4، AFP، hCG) للأورام الجرثومية أو النسيجية.
4. التصوير الطبقي أو الرنين المغناطيسي: لتقييم انتشار المرض (العقد الليمفاوية، النقائل).
5. الخزعة أو الجراحة الاستكشافية: قد تكون المنظار البطني أو الجراحة المفتوحة ضرورية لتأكيد التشخيص وتحديد المرحلة عبر عينة نسيجية.
يتم تحديد المرحلة (من I إلى IV) بناءً على مدى انتشار الورم (المبيض فقط، الحوض، البطن، أو نقائل بعيدة)، مما يؤثر على التكهن والعلاج.
العلاج
يتطلب علاج سرطان المبيض نهجًا متعدد التخصصات يشمل أطباء أمراض نسائية-أورام، جراحين، أطباء أورام، وأخصائيي تصوير. تشمل الخيارات:
1. الجراحة
- جراحة تقليل الورم: تهدف إلى إزالة كل الورم المرئي (تُسمى "إزالة الحجم"). قد تشمل استئصال الرحم، إزالة المبيضين والأنابيب، أو استئصال الثرب أو الأنسجة المصابة الأخرى.
- الجراحة المحافظة: تُعتبر للمريضات الشابات (في مراحل مبكرة، مع رغبة في الحفاظ على الخصوبة)، وتقتصر على إزالة مبيض أو أنبوب واحد.
- الجراحة التلطيفية: لتخفيف الأعراض (مثل تصريف الاستسقاء) في الحالات المتقدمة.
2. العلاج الكيميائي
- العلاج الكيميائي الجهازي: مزيج من كاربوبلاتين وباكليتاكسيل، يُعطى بعد الجراحة (مساعد) أو قبلها (تمهيدي) لتقليص الورم.
- العلاج الكيميائي داخل الصفاق: يُحقن مباشرة في تجويف البطن للمراحل المتقدمة، مما يحسن البقاء على قيد الحياة في بعض الحالات.
- العلاجات الموجهة: مثبطات PARP (مثل: أولاباريب) للمريضات اللواتي لديهن طفرات BRCA أو تشوهات في إصلاح الحمض النووي.
3. علاجات أخرى
- العلاج المناعي: قيد التقييم لتحسين الاستجابة المناعية ضد الورم.
- العلاج الإشعاعي: نادر الاستخدام، إلا في حالات النقائل المحددة.
- الرعاية الداعمة: إدارة الألم، الدعم الغذائي والنفسي لتحسين جودة الحياة.
4. المتابعة بعد العلاج
المتابعة المنتظمة ضرورية (فحوصات سريرية، CA-125، تصوير) للكشف عن الانتكاسة، وهي شائعة في المراحل المتقدمة.
التكهن
يعتمد التكهن على المرحلة عند التشخيص، النوع النسيجي، والاستجابة للعلاج:
- المراحل المبكرة (I-II): معدل البقاء على قيد الحياة لمدة 5 سنوات يتراوح بين 70-90%.
- المراحل المتقدمة (III-IV): معدل البقاء على قيد الحياة لمدة 5 سنوات يتراوح بين 20-30%.
- الأورام الجرثومية والنسيجية غالبًا لها تكهن أفضل من الأورام الظهارية.
تُحسن التطورات في العلاجات الموجهة والجراحة النتائج تدريجيًا، حتى في الحالات المتقدمة.
الوقاية والفحص
لا يوجد فحص روتيني فعال لسرطان المبيض، لكن بعض التدابير يمكن أن تقلل من المخاطر:
- الاستشارة الجينية: للنساء ذوات التاريخ العائلي أو طفرات BRCA، يمكن النظر في استئصال الأنابيب والمبيضين الوقائي بعد انتهاء خطط الحمل.
- موانع الحمل الفموية: استخدامها لفترات طويلة يقلل من مخاطر سرطان الظهارة.
- المتابعة الدقيقة: للنساء المعرضات للخطر العالي (طفرات جينية، بطانة الرحم المهاجرة)، يمكن إجراء الموجات فوق الصوتية وقياس CA-125 بانتظام، رغم أن فعاليتها محدودة.
- نمط حياة صحي: الحفاظ على وزن صحي وتجنب التدخين.
الأثر النفسي والدعم
تشخيص سرطان المبيض غالبًا ما يكون صادمًا، مع تداعيات عاطفية (القلق، الاكتئاب) واجتماعية (تأثير على الخصوبة، صورة الجسم). الدعم النفسي، مجموعات الدعم، والمساندة من جمعيات المرضى ضرورية لمساعدة المريضات وأقربائهن على تجاوز هذه المحنة.
الخاتمة
يظل سرطان المبيض مرضًا خطيرًا بسبب تأخر تشخيصه غالبًا، لكن التقدم في التشخيص، الجراحة، والعلاجات الموجهة يوفر آفاقًا جديدة. اليقظة تجاه الأعراض المستمرة، الفحص الجيني للنساء المعرضات للخطر، والرعاية متعددة التخصصات حاسمة لتحسين التكهن. إذا كنتِ تعانين من أعراض مثل الانتفاخ أو آلام الحوض غير المبررة، استشيري طبيب أمراض نسائية على الفور. الكشف المبكر قد ينقذ الأرواح.