المنحرف النرجسي

المنحرف النرجسي

انتشر مفهوم المنحرف النرجسي في السنوات الأخيرة ونعني به الإنسان الذي يعاني من مرض نفسي وسلوكي خطير يؤثر على حياته وعلاقاته خاصة العاطفية منها ، ورغم أن المنحرف النرجسي قد لا يوحي مظهره الخارجي بأنه يعاني من أي اختلاف لكن الواقع يؤكد أن حياته الشخصية مليئة بالصراعات والمشاكل التي يكون سببها طبعه الذي تغلب عليه الأنانية المفرطة فتجعله لا يهتم سوى بمصالحه الشخصية ويهمل شعور الآخرين كما يتميز سلوكه بكونه شديد الإصرار على تحقيق أهدافه مهما كانت الوسيلة والثمن.

إن الإنحراف النرجسي لا يعود إلى مشكل وراثي بل هو سلوك يبدأ في التكون منذ بلوغ الفرد الثلاث أو الأربع سنوات ويصبح هذا السلوك شديد الوضوح مع تقدم الفرد في السن وتكوينه لعلاقات اجتماعية وعادة ما تكتشف العائلة هذا الاضطراب ولكنه قد ينجح أيضاً في إخفاء الأمر عن محيطه القريب بسبب براعته في الكذب والإخفاء فيكون مثيرا للحيرة ويصعب فهمه على الأشخاص العاديين وأحيانا حتى الأخصائيين.

وينتج هذا الاضطراب في النمو النفسي أو التركيبة العاطفية للمحرف النرجسي بسبب التربية العائلية الخاطئة والمواقف التي تهز ثقة الطفل بنفسه وتمس حبه لذاته وهو ما يؤدي إلى تطور هذا الانحراف النرجسي الذي يصبح خطيراً على محيط الفرد والذي يمكن أن يؤدي به لارتكاب الجرائم أحياناً.

إن للمنحرف النرجسي أساليب متعددة يستعملها لتحقيق غاياته وعادة ما يحاول هذا الفرد تقديم نفسه في صورة مثالية للآخرين ويخفي ويزيف عن وعي سلوكه الحقيقي ورغم الصورة المثالية التي يقدمها عن نفسه للآخرين فهو في حقيقية الأمر ضعيف وهش نفسيا ولذلك فهو يحاول تعويض هذا التشوه في أفكاره ومشاعره عبر التقليل والاستنقاص من الآخرين وإيذائهم نفسيا. كما أن الكبت الذي عاشه يحولها إلى شخص عنيف وعدواني بصفة كبيرة ومن الممكن أن يرتكب أفعال غير مقبولة أخلاقيا واجتماعيا وقانونيا.

وبالنسبة للعلاقات العاطفية يسعى المنحرف النرجسي دائما إلى التلاعب بضحيته ففي بداية العلاقة يحاول القيام بكل ماهو ممكن لنيل إعجاب الضحية وبمجرد أن يتأكد من حقيقة مشاعر الضحية تجاهه يتغير سلوكه تماما يصبح دائم السعي إلى التقليل من الضحية وإهانتها وإخضاعها له وتقزيمها أمامه لتعزيز شعور التفوق داخله وبطول المدة حاملة لأفكار مغلوطة عن نفسها وغير قادرة على استيعاب الحقيقة وفك قيود هذه العلاقة المستنزفة لطاقتها إما بسبب شدة تعلقها بالطرف المقابل أو بسبب الزواج والأطفال فتجبر الضحية على تحمل هذا السلوك العدائي من المنحرف النرجسي.

وأخيرا لا بد من التأكيد على عدم وجود علاج نهائي للإنحراف النرجسي ولذلك يمكن فقط مساعدة الضحية للتخلص من العلاقة وإنهائها لأن المنحرف النرجسي لا يقبل أبداً بالاعتراف بأخطائه أو بأنه يعاني من مرض نفسي وبالتالي فحتى إذا بدر منه تحسن في سلوكه فسيكون دائما تحول زائف لخداع الطرف المقابل خاصة عند شعوره بأنه سيفقد السيطرة عليه.